*** ” لا تلمسيني “
سؤال : لماذا عندما ظهر الرب لمريم المجدلية بعد القيامة قال لها “لا تلمسيني” (يو 20: 17).. بينما سمح للقديس توما أن يلمسه؟ (يو 20: 27)، وسمح لباقي الرسل أن يلمسوه (لو 24: 39). فهل منعها من لمسه لأنها امرأة، وسمح لهم لأنهم رجال؟
والجواب علي ذلك أن السيد الرب سمح لمريم المجدلية أن تلمسه قبل الرسل جميعًا. وقد ورد ذلك في أول لقاء لها معه بعد القيامة في (متي 24).
لقد ذهبت مريم المجدلية مع مريم الأخرى إلي القبر، وابصرتا القبر فارغًا، والحجر مدحرجًا من عليه، وبشرهما الملاك بقيامة الرب، وفي خروجهما قابلهما الرب وقال سلام لكما. وهنا يقول القديس متي الإنجيلي:
“فتقدمتا وامسكتا بقدميه، وسجدتا له” (متي 28: 9). إذن مريم المجدلية قد لمست المسيح بعد القيامة.
ولم يمنعها الرب عن ذلك بسبب أنها إمرأة. بل علي العكس كلفها أن تمضي وتبشر تلاميذه بالقيامة وبمقابلة الرب في الجليل. وهذا شرف عظيم أن يكلف إمرأة بتبشير الرسل.
ولكن الذي حدث بعد ذلك، أن مريم المجدلية استسلمت للشكوك التي كان قد نشرها رؤساء الكهنة حول القيامة.
كانوا قد ملأوا الدنيا شاعات أن الجسد قد سرق من القبر، بينما كان الحراس نيامًا. وكان من الممكن أن هذه الشائعات لا تترك تأثيرها مطلقًا في نفس مريم، لولا أنها رأت أن الرسل أنفسهم لم يصدقوا القيامة!
أما شكوك التلاميذ فواضحة من عدم تصديقهم لخبر القيامة، لقد ذهبت إليهم المجدلية، وبشرتهم بقيامة المسيح “فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته، لم يصدقوا” (مر 16: 19-11).
ولما أخبرهم بقيامة الرب تلميذا عمواس، “لم يصدقوا ولا هذين” (مر 16: 12: 13). وكذلك لما أخبرهم النسوة بأمر القيامة “تراءي كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن” (لو 24: 9-11).
فلما رأت المجدلية أن رسل المسيح لم يصدقوها، ولم يصدقوا باقي النسوة، ولا تلميذي عمواس، بدأت تشك هي الأخري..
إنها فتاة صغيرة، ربما ظنت ما رأته عند القبر حلمًا أو خيالًا. أم هي أقوي إيمانًا من الرسل؟! هذا غير معقول. وفكرت ربما يكون البعض قد سرقوا الجسد ونقلوه من موضعه! ليس الرسل وإنما آخرون، ربما البستاني مثلًا قد أخذه لسبب ما.
و طبعًا كل هذه شكوك ضد الإيمان لأنها رأت بنفسها القبر الفارغ، ورأت المسيح ولمسته وسمعت صوته، وسمعت بشارة الملاك ثم الملاكين..
و كما أنكر بطرس المسيح أثناء محاكمته ثلاث مرات، هكذا مريم المجدلية أنكرت قيامة الرب ثلاث مرات، وورد هذا الإنكار الثلاثي في أصحاح واحد (يو 20: 12، 13، 15).
1- المرة الأولي: حينما ذهبت إلي القديسين بطرس ويوحنا وقالت لهما: “أخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه” (يو 20: 2). وهذا الكلام معناه أن الرب لم يقم من الأموات، ما داموا قد أخذوا جسده ووضعوه في مكان ما!
2- والمرة الثانية: حينما كانت خارج القبر تبكي. وسألها الملاكان: لماذا تبكين؟ فأجابت بنفس الكلام “أنهم أخذوا سيدي، ولست أعلم أين وضعوه” (يو 20: 13).
3- والمرة الثالثة: حينما ظهر لها السيد المسيح، وفي بكائها لم تبصره جيدًا وظنته البستاني، أو هو أخفي ذاته عنها.. فقالت له “يا سيد، إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه” (يو 20: 15). فلما أظهر لها الرب ذاته، وتعرفت عليه، قالت له ربوني أي يا معلم”. منعها الرب أن تلمسه، توبيخًا لها علي إنكارها الثلاثي لقيامته. وأيضًا لا يجوز أن تلمسه بهذا الإيمان: إنه شخص عادي مات، حملوا جسده ووضعوه في مكان ما..!
قالت لبطرس ويوحنا “اخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه”. وقالت للملاكين “اخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه”. وقالت للرب وقد ظنته البستاني “إن كنت قد أخذته، فقل لي أين وضعته”.. تكرار لادعاءات الجند، ليس فيه إيمان بالقيامة، . فقال الرب” لا تلمسيني “أي لا تقتربي إلي بهذا الاعتقاد وبهذا الشك. بعد أن رأيتني قبلًا، وامسكت قدمي، وسمعت صوتي، وكلفتك برسالة لتلاميذي، وبعد أن رأيت القبر، وسمعت شهادة الملائكة. لا تلمسيني في نكران، لأني لم أصعد بعد إلي أبي.
أما عبارة “لأني لم أصعد بعد إلي أبي”.. فإن القديس ساويرس الأنطاكي، وكذلك القديس أوغسطينوس لم يأخذاها بالمعني الحرفي وإنما بالمعني الرمزي، لأنه كانت قد لمسته قبل ذلك. وقال القديسان في ذلك إن الرب يقصد من عبارته:
لا تلمسيني بهذا الإيمان، لأني لم أصعد بعد في ذهنك إلي مستوي أبي في لاهوته، بل تظنين أن جسدي مازال ميتًا يحمله الناس حيث شاءوا.
وعلي أية الحالات، فقد عزاها، وفي نفس الوقت كلفها برسالة تبلغها إلي الرسل.(منقول)